فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ}.
أي: لم تذلل لإثارة الأرض وسقي الحرث. و: {لاذلول} صفة لبقرة. بمعنى غير ذلول. و: {لا} الأولى للنفي، والثانية مزيدة لتوكيد الأولى. لأن المعنى: لا ذلول تثير وتسقي، على أن الفعلين صفتان لذلول، كأنه قيل: لا ذلول مثيرة وساقية، والمقصود: إنها مكرمة ليست مذللة بالحراثة، ولا معدة للسقي في السانية {مُسَلَّمَةٌ}، سلمها الله من العيوب، أو معفاة من العلم، سلمها أهلها منه، أومخلصة اللون لم يشب صفرتها شيء من الألوان. من: سلم له كذا، إذا خلص له: {لاَشِيَةَ فِيهَا}، أي: لا لون فيها يخالف لون جلدها من بياض وسواد وحمرة، فهي صفراء كلها، وهي في الأصل مصدر: وشاه وشيا وشية، إذا خلط بلونه لونًا آخر. في الصحاح: الشية: كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره. والهاء عوض من الواو الذاهبة من أوله. والجمع: شيات. يقال: ثور أشيه، كما يقال: فرس أبلق.
{قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} أي: بحقيقة وصف البقرة بحيث ميزتها عن جميع ما عداها، ولم يبق لنا في شأنها اشتباه أصلًا. بخلاف المرتين الأوليين، فإن ما جئت به فيهما لم يكن في التعيين بهذه المرتبة: {فَذَبَحُوهَا}، الفاء فصيحة، كما في: {فَانْفَجَرَتْ}، أي: فحصلوا البقرة فذبحوها: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} كاد من أفعال المقاربة، وضع لدنوّ الخبر من الحصول، والجملة حال من ضمير ذبحوا، أي: فذبحوها والحال أنهم كانوا قبل ذلك بمعزل منه. اعتراض تذييليّ. ومآله استثقال استقصائهم واستبطاء لهم، وأنهم لفرط تطويلهم وكثرة مراجعاتهم ما كاد ينتهي خيط إسهابهم فيها.
تنبيه:
قال الراغب: قال بعض الناس: في هذه الآية دلالة على نسخ الشيء قبل فعله. فإن في الأول أمروا بذبح بقرة غير معينة، وكان لهم أن يذبحوا أي: بقرة شاءوا.
وفي الثاني والثالث أمروا بذبح بقرة مخصوصة. فكأنهم نهوا عما كانوا أمروا به من قبل. وليس كذلك، فإن الأول أمر مطلق، والثاني والثالث كالبيان له، لمّا راجعوا، ولم يسقط عنهم ذبح البقرة. بل زيد في أوصافها، وكشف عن المراد بالأمر الأول. وفي الآية دلالة على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}.
{بقرة لا ذلول}.. البقرة الذلول هي البقرة المروضة الممرنة تؤدي مهمتها بلا تعب.. تماما مثل الخيل المروضة التي لا تتعب راكبها لأنها تم ترويضها.. وسيدنا إسماعيل هو أول من روض الخيل وساسها.. وقال الله سبحانه وتعالى لهم أول وصف للبقرة أنها ليست مروضة.. لا أحد قادها ولا قامت بعمل.. إنها انطلقت على طبيعتها وعلى سجيتها في الحقول بدون قائد.
{تُثِيرُ الأَرْضَ} أي لم تستخدم في حراثة الأرض أو فلاحتها.
{وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ}.. أي لم تستخدم في إدارة السواقي لسقية الزرع.
{مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا} أي خالية من العيوب لا أذنها مثقوبة. ولا فيها أي علامة من العلامات التي يميز الناس أبقارهم بها.. ولا رجلها عرجاء، خالية من البقع والألوان غير اللون الأصفر الفاقع.. وكلمة {لاَّ شِيَةَ فِيهَا}.. أي لا شيء فيها.
والمتأمل في وصف البقرة كما جاء في الآيات يرى الصعوبة والتشدد في اختيار أوصافها.. كأن الحق تبارك وتعالى يريد أن يجازيهم على أعمالهم.. ولم يجد بنو إسرائيل إلا بقرة واحدة تنطبق عليها هذه المواصفات فقالوا {الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} كأن ما قاله موسى قبل ذلك كان خارجا عن نطاق الحق. وذبحوا البقرة ولكن عن كره منهم.. لأنهم كانوا حريصين على ألا يذبحوها، حرصهم على عدم تنفيذ المنهج. هم يريدون أن يماطلوا الله سبحانه وتعالى.. والله يقول لنا أن سمة المؤمنين أن يسارعوا إلى تنفيذ تكاليفه.. واقرأ قوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
وهذه السرعة من المؤمنين في تنفيذ التكاليف.. دليل على عشق التكليف.. لأنك تسارع لتفعل ما يطلبه منك من تحبه.
وقوله تعالى: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ}.. يدلنا على أنهم حاولوا الإبطاء في التنفيذ والتلكؤ.
إننا لابد أن نلتفت إلى أن تباطؤ بني إسرائيل في التنفيذ خدم قضية إيمانية أخرى.. فالبقرة التي طلبها الله منهم بسبب عدم قيامهم بتنفيذ الأمر فور صدوره لهم بقرة نادرة لا تتكرر.. والمواصفات التي أعطيت لهم في النهاية.. لم تكن تنطبق إلا على بقرة واحدة ليتحكم صاحبها في ثمنها ويبيعها بأغلى الأسعار.
والقصة أنه كان هناك في بني إسرائيل رجل صالح.. يتحرى الحلال في الرزق والصدق في القول والإيمان الحقيقي بالله. وعندما حضرته الوفاة كان عنده عجلة وكان له زوجة وابنهما الصغير.. ماذا يفعل وهو لا يملك سوى العجلة. اتجه إلى الله وقال: اللهم إني استودعك هذه العجلة لولدي، ثم أطلقها في المراعي.
لم يوصِّ عليها أحدًا ولكن استودعها الله. استودعها يد الله الأمينة على كل شيء.. ثم قال لامرأته إني لا أملك إلا هذه العجلة ولا آمن عليها إلا الله.. ولقد أطلقتها في المراعي.
وعندما كبر الولد قالت له أمه: إن أباك قد ترك لك وديعة عند الله وهي عجلة.. فقال يا أمي وأين أجدها؟.. قالت كن كأبيك هو توكل واستودع، وأنت توكل واسترد.. فقال الولد: اللهم رب إبراهيم ورب موسى.. رد إلي ما استودعه أبي عندك.. فإذا بالعجلة تأتي إليه وقد أصبحت بقرة فأخذها ليريها لأمه.. وبينما هو سائر رآه بنو إسرائيل. فقالوا إن هذه البقرة هي التي طلبها الرب.. وذهبوا إلى صاحب البقرة وطلبوا شراءها فقال بكم.. قالوا بثلاثة دنانير.. فذهب ليستشير أمه فخافوا أن ترفض وعرضوا عليه ستة دنانير.. قالت أمه لا.. لا تباع.. فقال الابن لن أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا، فدفعوا له ما أراد.. وهكذا نجد صلاح الأب يجعل الله حفيظا على أولاده يرعاهم وييسر لهم أمورهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ} المشهور {ذَلُولٌ} بالرفع على أنها صفة ل {بقرة}، وتوسطت {لا} للنفي كما تقدم في {لاَ فَارِض}، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي: لا هي ذلول، والجملة من هذا المبتدأ أو الخبر في محل رفع صفة ل {بقرة}.
وقرئ: {لاَ ذَلُولَ} بفتح اللام على أنها {لا} التي للتَّبرئة والخبر محذوف تقديره: لا ذلولَ ثَمَّ أو ما أشبهه، وليس المعنى على هذه القراءة، ولذلك قال الأخفس: لا ذلول نعت، ولا يجوز نصبه.
والذَّلول: التي ذُلِّلَت بالعمل، يقال: بقرة ذَلُوث بَيِّنَةٌ الذِّل بكسر الذال، ورجل ذَليل: بين الذُّل بضمّها، وقدم عند قوله: {الذلة} [البقرة: 61].
قوله: {تُثِيرُ الأرض} في هذه الجملة أقوال كثيرة: أظهرها: أنها في محلّ نصب على الحال من الضمير المستكن في {ذلول} تقديره: لا تُذَلُّ حال إثارتها.
وقال ابن عطية: وهي عند قوم جملة في موضع الصفة ل {بقرة} أي: لا ذلولٌ مثيرة.
وقال أيضًا: ولا يجوز أن تكون هذه الجملة في موضع الحال، لأنها نكرة.
أما قوله: في موضع الصفة فإنه يلزم منه أن البقرة كانت مثيرة للأرض، وهذا الم يقل به الجمهور، بل قال به بعضهم، وسيأتي إن شاء الله.
وأما قوله: لا يجوز أن تكون حالًا يعني من {بقرة}؛ لأنها نكرة.
فالجواب: أنَّا لا نسلم أنها حال من {بقرة}، بل من الضمير في {ذلول} كما تقدم، أو تقول: بل هي حال من النكرة؛ لأن النكرة قد وصفت وتخصصت بقوله: {لا ذَلُول}، وإذا وصفت النكرة ساغ إتيان الحال منها اتفاقًا.
وقيل: إنها مستأنفة، واستئنافها على وجهين:
أحدهما: أنها خبر مبتدأ محذوف، أي: هي تثير.
والثاني: أنها مستأنفة بنفسها من غير تقدير مبتدأ، بل تكون جملة فعلية ابْتُدِئ بها لمجرد الإخبار بذلك.
وقد منع من القول باستئنافها جماعة منه الأخْفَشُ عليّ بن سليمان، وعلل ذلك بوجهينك أحدهما: أن بعده: {وَلاَ تَسْقِي الحَرْثَ} فلو كان مستأنفًا لما صحّ دخول {لا} بينه وبين الواو.
والثّاني: إنها لو كانت تثير الأرض لكانت الإثارة قد ذللتها، والله تعالى نفى عنها ذلك بقوله: {لا ذَلُول} وهذا المعنى هو الذي منع أن يكون {تُثِير} صفة ب {بقرة}؛ لأن اللازم مشترك، ولذلك قال أبو البقاء: ويجوز على قول مَنْ أثبت هذا الوجه يعني: كونه تثير الأرض ولا تسقي أن تكون {تثير} في موضع رفع صفة ل {بقرة}.
وقد أجاب بعضهم عن الوجه الثاني، فإن إثارة الأرض عبارة عن مَرَحِهَا ونَشَاطِهَا؛ كما قال امرؤ القيس: الطويل:
يُهِيلُ ويُذْرِي تُرْبَهُ وَيُثِيرُهُ ** إِثَارَةَ نَبَّاثِ الهَوَاجِرِ مُخْمِسِ

أي: تثير الأرض مرحًا ونشاطًا لا حَرثًا وعملًا.
وقال أبو البقاء: وقيل: هو مستأنف، ثم قال: وهو بعيد عن الصّحة لوجهين:
أحدهما: أنه عطف عليه قوله: {وَلاَ تَسْقِي الحَرْثَ}، فنفى المعطوف، فيجب أن يكون المعطوف عليه كذلك؛ لأنه في المعنى واحد، ألا ترى أنك لا تقول: مررت برجل قائم ولا قاعد، بل تقول: لا قاعد بغير واو، كذلك يجب أن يكون هذا.
وذكر الوجه الثاني لما تقدم، وأجاز أيضًا أن يكون {تثير} في محلّ رفع صفة ل {ذلول}، وقد تقدم خلاف هل يوصف الوصف أم لا؟
فهذه ستة أوجه تلخيصها: أنها حال من الضمير في {ذَلُول}، أو من {بقرة}، أو صفة ل {بقرة}، أو ل {ذلول}، أو مستأنفة بإضمار مبتدأ، أو دونه.
قوله: {وَلاَ تَسْقِي الحرث مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا} الكلام فيه هذه كالكلام فيما قبلها من كونها صفة ل {بقرة}، أو خبر لمبتدأ محذوف.
وقال الزمخشري: و{لا} الأولى للنفي يعني الدَّاخلة على {ذلول}.
والثانية مزيدة لتأكيد الأولى؛ لأن المعنى: لا ذلول تثير الأرض وتسقي، على أن الفعلين صفتان ل {ذَلُول}، كأنه قيل: لا ذلول مثيرة وساقية.
وقرئ: {تُسْقى} بضم التاء من أَسْقى.
وإثارة الأرض: تحريكها وبَحْثُهَا، ومنه: {وَأَثَارُواْ الأرض} [الروم: 9] أي: بالحَرْث والزراعة، وفي الحديث: «أَثِيرُوا القُرْآنَ فَإِنَّهُ عِلْمُ الأَوَّلِينَ وَالأَخِرِينَ».
وفي رواية: «مَنْ أَرَادَ العِلْمَ فَلْيُثوِّرِ القُرْآن».
وجملة القول أن القرة لا يكون بها نَقْص، فإن الذلول بالعمل لكونها تثير الأرض، وتسقي الحرث لابد وأن يظهر بها النقص.
قال القرطبي: قال الحسن: وكانت تلك البقرة وَحْشٍية، ولهذا وصفها الله تعالى بأنها لا تثير الأرض، ولا تسقي الحرث.
وقال: الوقف هاهنا حسن.
و{مُسَلَّمة} قيل: من العيوب مطلقًا.
وقيل: من آثار العمل المذكور.
وقيل: مسلمة من الشّبه التي هي خلاف لونها، أي: خلصت صُفْرتها عن اختلاط سائر الألوان بها، وهذا ضعيف؛ لأن قوله: {لاَ شِيَةَ فِيهَا} يصير تكرارًا.
و{شِيَة}: مصدر وَشَيْتُ الثوب أَشِيه وَشْيًا وَشِيَةً، حذفت فاؤها؛ لوقوعها بين ياء وكيرة في المضارع، ثم حمل باقي الباب عليه، ووزنها عِلَةٌ ومثلها: صِلَةٌ وعِدَةٌ وَزِنَة.
وهي عبارة عن اللُّمْعَة المخالفة للون، ومنه: ثوب مَوْشِيٌّ: أي: منسوج بلونين فأكثر، وثور مَوْشِيٌّ القَوَائِم، أي: أَبْلَقُهَا؛ قال: البسيط:
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةً مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ ** طَاوِي المَصِيرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الفَرِدِ

ومنه: الواشي للنَّمَّام؛ لأنه يَشِي حديثه، أي يزينه ويخلطه بالكذب.
وقال بعضهم: ولا يقال له وَاشٍ حتى يغير كلامه ويزينه.
ويقال: ثور أَشْيَهُ، وفرس أَبْلَقُ، وكمَبْش أخْرَجُ، وتَيْس أَبْرَق، وغُراب أَبْقَع، كل ذلك بمعنى البلقة.
و{شية} اسم {لا}، و{فيها} خبرها.
قوله: {الآن جِئْتَ} الآن منصوب ب {جئت}، وهي ظَرْف للزّمان يقتضي الحال، ويخلص المضارع له عند جمهور النّحاة.
وقال بعضهم: هذا هو الغالب، وقد جاء حيث لا يمكن أن يكون للحال، كقوله: {فَمَن يَسْتَمِعِ الآن} [الجن: 2] {فالآن بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] فلو كان يقتضي لحال لما جاء مع فعل الشرط والأمر اللذين هما نصّ في الاستقبال، وعبر عنه هذا القائل بعبارة تُوافق مذهبه وهي: {الآن} لوقت حصر جميعه أو بعضه يريد بقوله: أو بعضه نحو: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ}، وهو مبني.
واختلف في علّة بنائه: فقال الزَّجَّاج: لأنه تضمن معنى الإشارة؛ لأن معنى أفعل الآن، أي: هذا الوقت.
وقيل: لأنه أشبه الحرف في لزوم لَفْظ واحد، من حيث إنه لا يُثَنَّى ولا يُجْمع ولا يصغّر.
وقيل: لأنه تضمّن معنى حرف التعريف، وهو الألف واللام كأمس، وهذه الألف واللام زائدة فيه بدليل بنائه، ولم يُعْهَد مُعرفٌ ب (أل) إلا معربًا، ولزمت فيه الألف واللام كما لزمت في الذي والّتي وبابهما، ويعزى هذا للفارسي، وهو مردود بأن التضمين اختصار، فكيف يختصر الشيء، ثم يؤتى بمثل لفظه.
وهو لازم للنظر فيه، ولا يتصرف غالبًا، وقد وقع مبتدأ في قوله عليه الصلاة والسلام: «فَهُوَ يَهْوِي في قَعْرِهَا الآنَ حِينَ انْتَهَى».
فالآن مبتدأ، وبني على الفتح لما تقدم، وحين خبره، بُنِيَ لإضافته إلى غير متمكّن، ومجرورًا في قوله:
أَإِلَى الآنِ لاَ يَبِينُ ارْعِوَاءُ

وادعى بعضهم إعرابه مستدلًا بقوله: الطويل:
كَأَنَّهُمَا مِلآنِ لَمْ يَتَغَيَّرا ** وَقَدْ مَرَّ لِلدَّارَيْنِ مِنَ بَعْدِنَا عَصْرُ

يريد: مِنَ الآنِ فجره بالكسرة، وهذا يحتمل أن يكون بني على الكسر، وزعم الفراء أنه منقول من فعل ماضي، وأن أصله آنَ بمعنى: حان فدخلت عليه (أل) زائدة، واسْتُصْحِب بناؤه على الفَتْح، وجعله مثل قولهم ما رأيته من شب إلى دُبَّ.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «وأنْهَاكُمْ عَنْ قِيلٍ وَقَال».
ورد عليه بأن (أل) لا تدخل على المنقول من فعل ماض، وبأنه كان ينبغي أن يجوز إعرابه كنظائره.
وعنه قول آخر أن أصله أوان فحذفت الألف، ثم قلبت الواو ألفًا، فعلى هذا ألفعه عن واو.
وأدخله الرَّاغب في باب أين، فتكون ألفه عن ياء.
والصواب الأول.
وقرئ: {قالوا ألآن} بتحقيق الهمزة من غير نَقْل، وهي قراءة الجمهور.
و{قَالُوا لأنَ} بنقل حركة الهمزة على اللام قبلها، وحذف الهمزة، وهو قياس مطّرد، وبه قرأ نافع وحمزة باختلاف عنه.
و{قَالُوا لآنَ} بثبوت الواو من {قالوا}؛ لأنها إنما حذفت لالتقاء السكانين، وقد تحركت اللام لنقل حركة الهمزة إليها، واعتدوا بذلك كما قالوا في الأحمر مَحْمَر.
وسيأتي تحقيق هذا إن شاء الله تعالى في {عَادًا الأولى} [النجم: 50].
ويحكى وجه رابع {قَالُوا الآنَ} بقطع همزة الوصل، وهو بعيد، و{بِالحَق} يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن تكون باء التَّعدية كالهمزة كأنه قيل: أَجَأْتَ الحق، أي: ذكرته.
الثاني: أن يكون في محلّ نصب على الحال من فاعل {جئت} أي: جئت ملتبسًا بالحق، أو ومعك الحق.
قوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} أي: فذبحوا البقرة.
و{كَادُوا} كاد واسمها وخبرها، والكثير في خبرها تجرده من أن.
وشذ قوله: الرجز:
قَدْ كَادَ مِنْ طُولٍ الْبِلَى أَنْ يَمْصَحَا

وهي عكس عسى وذكروا لكاد تفسيرين:
أحدهما: قالوا: نفيها إثبات وإثباتها نفي، فقوله: كاد يفعل كذا، معناه: قرب من أن يفعل، لكنه ما فعله.
والثاني: قال عبدالقاهر النحوي: إن كاد لمقاربة الفعل، فقوله: كاد يفعل معناه قرب من فعله.
وقوله: ما كاد يفعل معناه: ما قرب منه.
وللأولين أن يحتجوا بهذه الآية؛ لأن قوله: {ومَا كَادُوا} معناه ما قاربوا الفعل، ونفى المقاربة من الفعل يناقض إثبات وقوع الفعل، فلو كانت كاد للمقاربة لزم وقوع التناقض في الآية، وقد تقدم الكلام معلى كاد عند قوله: {يَكَادُ البرق} [البقرة: 20]. اهـ. باختصار.